المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بواعث الغيبة


المهدي طاووس أهل الجنة
08-30-2014, 02:53 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم ياكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


اعلم ان باعث الغيبة-غالبا-اما الغضب او الحقد او الحسد، فيكون من نتائجها، و من رذائل قوة الغضب، و له بواعث اخر:



الاول-السخرية و الاستهزاء: فان ذلك كما يجرى في الحضور يجرى في الغيبة ايضا، و قد عرفت ان منشاهما ماذا؟ .

الثاني-اللعب و الهزل و المطايبة: فيذكر غيره بما يضحك الناس عليه على سبيل التعجب و المحاكاة. و ياتى ان باعث الهزل و المزاح ماذا، و انه متعلق بالقوة الشهوية.

الثالث-ارادة الافتخار و المباهاة: بان يرفع نفسه بتنقيص غيره، فيقول: فلان لا يعلم شيئا. و غرضه ان يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه و انه افضل منه. و ظاهر ان منشا ذلك التكبر او الحسد، فيكون ايضا من رذائل القوة الغضبية.

الرابع-ان ينسب الى شي‏ء من القبائح، فيريد ان يتبرا منه بذكر الذي فعله، و كان اللازم عليه ان يبرئ نفسه منه، و لا يتعرض للغير الذي فعله، و قد يذكر غيره بانه كان مشاركا له في الفعل، ليتمهد بذلك عذر نفسه في فعله، و ربما كان منشا ذلك صغر النفس و خبثها.

الخامس-مرافقة الاقران و مساعدتهم على الكلام، حذرا عن تنفرهم و استثقالهم اياه لولاه، فيساعدهم على اظهار عيوب المسلمين و ذكر مساويهم، ظنا منه انه مجاملة في الصحبة، فيهلك معهم. و باعث ذلك ايضا صغر النفس و ضعفها.

السادس-ان يستشعر من رجل انه سيذكر مساويه، او يقبح حاله عند محتشم، او يشهد عليه بشهادة، فيبادره قبل ذلك باظهار عداوته، او تقبيح حاله، ليسقط اثر كلامه و شهادته. و ربما ذكره بما هو فيه قطعا، بحيث ثبت ذلك عند السامعين ليكذب عليه بعده، فيروج كذبه بالصدق الاول و يستشهد به و يقول: ليس الكذب من عادتي، فاني اخبرتكم قبل ذلك من احواله كذا و كذا، فكان كما قلت، فهذا ايضا صدق كسابقه.
و هذا ايضا منشاه الجبن و ضعف النفس.

السابع-الرحمة، و هو ان يحزن و يغتم بسبب ما ابتلى به غيره، فيقول: المسكين فلان قد غمنى ما ارتكبه من القبح، او ما حدث به من الاهانة و الاستخفاف! فيكون صادقا في اغتمامه، الا انه لما ذكر اسمه و اظهر عيبه صار مغتابا، و قد كان له الاغتمام بدون ذكر اسمه و عيبه ممكنا فاوقعه الشيطان فيه ليبطل ثواب حزنه و رحمته.

الثامن-التعجب من صدور المنكر و الغضب لله عليه، بان يرى منكرا من انسان او سمعه، فيقول عند جماعة: ما اعجب من فلان ان يتعارف مثل هذا المنكر! او يغضب منه، فيظهر غضبه و اسمه و منكره، فانه وان كان صادقا في تعجبه من المنكر و غضبه عليه، لكن كان اللازم ان يتعجب منه و يغضب عليه، و لكنه لا يظهر اسمه عند من لم يطلع على ما صدر منه المنكر، بل يظهر غضبه عليه بالنهي عن المنكر و الامر بالمعروف من غير ان يظهره لغيره، فلما اوقعه الشيطان في ذكره بالسوء صار مغتابا و بطل ثواب تعجبه و غضبه، و صار آثما من حيث لا يدرى.


و هذه الثلاثة الاخيرة مما يغمض دركها، لان اكثر الناس يظنون ان الرحمة و التعجب و الغضب اذا كان لله كان عذرا في ذكر الاسم، و هو خطا محض، اذ المرخص في الغيبة حاجات مخصوصة لا مندوحة فيها عن ذكر الاسم دون غيرها، و قد روى: «ان رجلا مر على قوم في عصر النبي-صلى الله عليه و آله-، فلما جاوزهم، قال رجل منهم: اني ابغض هذا الرجل لله، فقال القوم: و الله لبئس ما قلت! و انا نخبره بذلك، فاخبروه به، فاتى الرجل رسول الله-صلى الله عليه و آله- و حكى له ما قال، و ساله ان يدعوه. فدعاه، و ساله عما قال في حقه فقال: نعم! قد قلت ذلك. فقال رسول الله-صلى الله عليه و آله-: و لم تبغضه؟ فقال: انا جاره و انا به خبير، و الله ما رايته يصلي صلاة قط الا هذه المكتوبة! فقال: يا رسول الله، فاساله هل رآنى اخرتها عن وقتها او اسات الوضوء لها و الركوع و السجود؟ فساله، فقال: لا فقال: و الله ما رايته يصوم شهرا قط الا هذا الشهر الذي يصومه كل بر و فاجر! قال: فاساله يا رسول الله هل رآني افطرت فيه او نقصت من حقه شيئا؟ فساله، فقال: لا! فقال: و الله ما رايته يعطى سائلا قط و لا مسكينا، و لا رايته ينفق من ماله شيئا في سبيل الخير الا هذه الزكاة التي يؤديها البر و الفاجر! قال: فاساله هل رآني نقصت منها شيئا او ما كست فيها طالبها الذي يسالها؟ فساله فقال: لا! فقال رسول الله -صلى الله عليه و آله-للرجل: قم، فلعله خير منك‏» . و لا ريب في ان انكار القوم عليه بعد قوله ابغضه لله يفيد عدم جواز اظهار المنكر الصادر من شخص لغيره، و ان كان في مقام الغضب و البغض لله.



مقتطفات من كتاب جامع السعادات للنراقي ج2 ...


وفقكم الله تعالى لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام