مسير الحاج (4)

[يا أمير البررة]

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجل فرجهم يا كريم
السلام عليك سيدي ومولاي يا بقية الله في أرضهِ ورحمة الله وبركاته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

(كتيّب، كيف ترجع كما ولدتك أمك، باب الحاج)

================================================

تاريخ الكعبة:
إن قصة الكعبة ترتبط بالحوار الذي جرى بين لله تعالى وملائكته حينما أراد خلق الإنسان وقد ذكر القرآن هذا الحوار بقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (1).
من الواضح أن الملائكة تفاجأت من إخبار الله تعالى بخلق الإنسان وتساءلت عن ذلك بصورة اعتراض، مما يفهمنا أن الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم كانوا مسبوقين بأمر سبَّب سؤالهم هذا، فما هو هذا الأمر الذي أنتج سؤالاً على هيئة اعتراض؟
ذُكرت عدة احتمالات:
الأول: أنهم عملوا أن المجعول خليفة (وهو الإنسان) ذو قوى ثلاث عليها مدار أمره وهي قوة الشهوة وقوة الغضب وهما تؤديان به إلى الفساد وسفك الدماء، والقوة الثالثة عقلية تدعوه إلى المعرفة والطاقة، فخافوا من سيطرة القوتين الأوليين على قوة العقل مما يؤدي إلى الفساد وسفك الدماء، فسألوا (2).
الثاني: أنهم كانوا مطلعين على تجربة سابقة للمخلوق الذي فيه جنبة الاختيار ألا وهو الجن، وفي بعض الروايات اضافة النسناس، وهؤلاء كانوا قد أفسدوا في الأرض (3)، فخافت الملائكة من تكرار التجربة.
الثالث: إن هناك واقعاً سابقاً مع آدميين قبل آدمنا (الخليفة في الآية) وكان ذلك الواقع فيه فساد في الأرض لذا سألت، ويتمسك لهذا الاحتمال بما روي: (قبل آدمكم هذا ألف ألف آدم).
وعلى كلٍّ، فإن الله تعالى قال لملائكته (إني أعلم ما لا تعلمون) في إشارة منه تعالى إلى أن الملائكة لم تطلع على الجانب الأساس الذي يمثل سرّ الخلق وتوضيح ذلك أن الملائكة كانت عارفة بالصفحات السوداء من مستقبل البشرية المقبل، لكنها لم تكن مطَّلعة على الصفحات المشعَّة، قال تعالى: إني أعلم ما لا تعلمون.
وأراد تعالى أن يطلعهم على تلك الصفحات الناصعة بالطهر والعصمة { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (4) هنا عرفت الملائكة نقصها المعرفي، فقالت لربها تعبّر عن عجزها: { سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (5).
تُرى من هم أصحاب الأسماء؟!
ومن الواضح أنهم من جنس العقلاء للتعبير عنهم في الآية بـ(هؤلاء) التي تستعمل للعقلاء.
وإن توالي الآيات يُفهم المتدبّر فيها أن هؤلاء هم سرُّ الخلق، إنهم الصفوة الطاهرة التي تمثل الصفحات النورانية من مستقبل البشرية، إنهم خلاصة البشر وصفوتهم وأهل الكرامة منهم.
لذا ورد في بعض الروايات أن الأسماء هي أسماء الحجج، حجج الله على الأرض، وعلى رأس هؤلاء الحجج أنوار خمسة أراهم الله لآدم وقال له – كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله)- ( هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك، ولا خلقت الجنة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الجن ولا الإنس، هؤلاء خمسة شققت لهم اسماً من أسمائي، فأنا المحمود وهذا محمد (صلى الله عليه وآله)، وأنا الأعلى وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة (عليهما السلام)، وأنا ذو الإحسان وهذا الحسن، وأنا المحسن وهذا الحسين (عليهما السلام) ) (6).
وإشارة إلى هؤلاء الحجج قال تعالى لآدم: { أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ }.
حينها علمت الملائكة قصورها، فراحت تستغفر ربَّها مما صدر منها من السؤال، فوضع الله تعالى لها في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يسمى الضراح (7)، ثم أمر الله الملائكة أن ترفع في الأرض بيتاً بحذاء البيت المعمور (8) في البقعة التي دحا من تحتها الأرض (9) فكان البناء الأول للكعبة الشريفة.
وبعد أن خالف آدم ما أرشده إليه ربه، وأُنزل إلى الأرض عرَّفَهُ جبرئيل موضع الكعبة، وفي بعض ما ورد أن آدم كان له دور في تأسيس البيت التأسيسَ الإنساني لتكون الكعبة محلاً لتوبتهِ إلى الله تعالى.
================================================

الكعبة في عهد إبراهيم (عليه السلام):
وأبى الله تعالى للكعبة الشريفة ألا تدخل الأنبياء والأولياء في عمارتها عبر التاريخ ففي عهد خليل الله إبراهيم (عليه السلام) أمره الله وابنه اسماعيل أن يرفعا قواعد البيت.
قال تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } (10).
================================================

الكعبة في عهد محمد (صلى الله عليه وآله):
وقبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) انصدعت جدران الكعبة من السيل، فأراد أهل قريش بناءها من جديد فبلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم (عليه السلام)، فلما أرادوا أن يزيدو في عرضها وحرَّكوا القواعد التي وضعها إبراهيم (عليه السلام) أصابتهم زلزلة شديدة وظلمة، فكفوا عنه، فلما بلغ البناء إلى موضع الحجر الأسود، تشاجرت قريش في وضعه، فقالت كل قبيلة نحن أولى به، نحن نضعه، فلما كثر القال والقيل بهم، تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة، فطلع من هناك محمد (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: هذا الأمين قد جاء، فحكِّمُوه فبسط رداءه، ثم قال يأتي من كل ربع من قريش رجل، فرفعوا الرداء، وأخذ النبي الحجر الأسود ووضعه بيديه المباركتين في مكانه (11).
================================================

الكعبة في عهد زين العابدين (عليه السلام):
وبعد أن خرَّب الحجاج بن يوسف الثقفي الكعبة بسبب مقاتلة عبد الله بن الزبير أرادوا تعميرها ولما أرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود، كان كلَّما نصبه عالم من علمائهم أو قاضٍ من قضاتهم أو زاهد من زهَّادهم يتزلزل ويضطرب، ولا يستقرّ في مكانه، فجاء الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وأخذه من أيديهم، وسمَّى الله، ثم نصبه فاستقرّ في مكانه وكبَّر الناس، وقد ألهم الفرزدق بقوله:
يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم (12).
================================================

آخر بناء للكعبة:
كان آخر بناء للكعبة الشريفة بعد السيل العظيم الذي دخل المسجد الحرام من أبوابه ثم دخل الكعبة المكرّمة عام 1039هـ، وكان المؤسس لهذا البيت هو أحد علماء مذهب أهل البيت (عليه السلام) وهو السيد زين العابدين الحسيني الكاشاني نزيل مكة، والمستشهد فيها عام 1042هـ، فقد تحدث السيد زين العابدين مع الشريف الذي كان متولياً لشؤون المسجد الحرام مقنعاً إياه أن البناء يكون بمال أهل الحق ومباشرتهم حتى مع انتسابه ظاهراً إلى السلطان، اقتنع الشريف بذلك أول الأمر، ثم خوّفه الناس فأعرض عنه.
وذات يوم رأى مسكين في المنام أنه وضعت جنازة الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في قبال الكعبة، وصلى عليه خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) مع جميع الأنبياء (عليهم السلام) وأنه قال للسيد زين العابدين: خذ التابوت وادفنه في جوف الكعبة.
قصّ الشريف المنام للسيد زين العابدين ففسره له بأن الإمام لا يدفنه إلا الإمام ومنصب دفن أبي عبد الله (عليه السلام) كان للإمام زين العابدين، فهو إشارة إلى أن وضع الأساس الذي كان من مناصبه قد حُوِّلَ إليه، أي إلى السيد زين العابدين. وفعلاً أصبح السيد زين العابدين يتولّى شؤون عمارة البيت.
وقد ذكر هذا السيد الشهيد قصة بنائه للكعبة بتفاصيلها في كتاب سمّاه (مفرحة الإمام في تأسيس بيت الله الحرام) (13).
================================================

أسماء الكعبة:
وسمّيت بأسماء عديدة منها:
1- الكعبة:
وقد سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن علة تسميتها بالكعبة فأجاب (لأنها وسط الدنيا) (14).
وقد سئل الإمام الرضا (عليه السلام) عن علة وضع البيت وسط الدنيا فعلل بقوله: (إنه الموضع الذي من تحته دحيت الأرض) (15).
2- البيت العتيق:
وقد سئل الإمام أبو جعفر (عليه السلام) عن علة تسميته بالبيت العتيق فقال: (لأنه بيت حرّ عتيق من الناس ولم يملكه أحد) (16).
3- البيت الحرام:
وقد علّل الإمام الصادق (عليه السلام) هذه التسمية بقوله: (لأنه حرّم على المشركين أن يدخلوه) (17).
================================================

أركان الكعبة:
وبُنيت الكعبة على أركان أربعة لأنها بحذاء العرش المربَّع وذلك لأن الكلمات التي بني عليها الإسلام أربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (18).
وقد سمّي كل ركن باسم قد يشير إلى العمل المطلوب في الركن فسمي:
- ركن الحجر الأسود بـ (باب الرحمة).
- والركن الشامي بـ (باب التوسل).
- والركن اليماني باب التوبة، وهو باب آل محمد (صلى الله عليه وآله) (19).
================================================

ضيافة الكعبة:
هذه هي قصة الكعبة وتاريخها، وهذه أسماؤها وأسماء أركانها، فما هو نوع ضيافة الله فيها؟

- هذا ما سنعرفه إن شاء الله في الموضوع القادم -

================================================
المصادر:
(1) سورة البقرة، الآية 30.
(2) انظر: الجزائري، قصص الأنبياء، منشورات الأعلمي، بيروت ص 27.
(3) انظر: الراوندي، قصص الأنبياء، تحقيق اليزدي، منشورات مجمع البحوث، ايران، مشهد ص 36.
(4) سورة البقرة، الآية 31.
(5) سورة البقرة، الآية 32.
(6) الراوندي، قصص الأنبياء ص 44_45.
(7) ورد هذا عن الإمام الرضا (عليه السلام) انظر: الجزائري، قصص الأنبياء، ص 31.
(8) انظر الحسيني، الأنبياء، منشورات الأعلمي، ص 39.
(9) انظر، المجلسي، بحار الأنوار، ج99، ص57.
(10) سورة البقرة، الآية 127.
(11) الأميني، مكة، منشورات مكتب نشر العلم والأدب، طهران، ص 116.
(12) المجلسي، بحار الأنوار، ج99، ص62.
(13) انظر: الأميني، مكة، ص122، 123.
(14) المجلسي، بحار الأنوار، ج99، ص57.
(15) المصدر السابق، ص 57.
(16) المصدر السابق، ص 59.
(17) المصدر السابق.
(18) المصدر السابق ص 57.
(19) تفسير العياشي، تحقيق المحلاتي، منشورات المكتبة العلمية، طهران، ج1، ص39.


وفقكم الله لكل خير ببركة وسداد أهل البيت عليهم السلام

[alzynabwly]

الله بحفظكم بحق محمد وال محمد