مركز نور السادة الروحي
         
 
     

:: مركز نور السادة الروحي ليس لديه أي مواقع آخرى على شبكة الأنترنت، ولا نجيز طباعة ونشر البرامج والعلاجات إلا بإذن رسمي ::

::: أستمع لدعاء السيفي الصغير  :::

Instagram

العودة   منتديات نور السادة > نـور السـادة أهل البيت (عليهم السلام) > نور أهل بيت النبوة وموضع الرسالة (عليهم السلام)
التسجيل التعليمـــات التقويم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 12-06-2009, 08:27 PM   رقم المشاركة : 1
نبراس البتول الطاهرة
مرشدة سابقة
 
الصورة الرمزية نبراس البتول الطاهرة








نبراس البتول الطاهرة غير متواجد حالياً

افتراضي جهاد النفس....

جهاد النفس








عن ابي عبد الله (الامام جعفر الصادق عليه السلام) ان النبي

صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية ، فلما رجعوا ، قال : مرحبا بقوم

قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر ، فقيل : يا رسول الله
وما الجهاد الاكبر ؟ قال : «جهاد النفس» .1فروع الكافي ، ج 5 ، كتاب الجهاد ، باب وجوه الجهاد ، ص 3 .







«#السرية» قطعة من الجيش . ويقال خير السرايا اربعمائة رجل . واما باقي مفرداتالحديث فواضحة .



اعلم ان الانسان اعجوبة وله نشأتان وعالمان : نشاة ظاهرية ملكية دنيوية وهي بدنه ،ونشاة باطنية غيبية ملكوتية وهي من عالم آخر . ولنفس الانسان ـ وهي من عالم الغيبوالملكوت ـ مقامات ودرجات قسموها بصورة عامة الى سبعة اقسام حينا ، والى اربعةاقسام حينا آخر ، وحينا الى ثلاثة اقسام ، وحينا الى قسمين . ولكل من المقاماتوالدرجات جنود رحمانية عقلانية تجذب النفس نحو الملكوت الاعلى وتدعوها الى السعادة . وجنود شيطانية وجهلانية تجذب النفس نحو الملكوت السفلي وتدعوها للشقاء . ودائماهناك جدال ونزاع بين هذين المعسكرين ، والانسان هو ساحة حربهما ، فاذا تغلبت جنودالرحمن كان الانسان من اهل السعادة والرحمة وانخرط في سلك الملائكة وحُشر في زمرةالانبياء والاولياء والصالحين .

واما اذا تغلب جندالشيطان ومعسكر الجهل ، كان الانسان من اهل الشقاء والغضب ، وحُشر في زمرة الشياطينوالكفار والمحرومين





نشير بصورة اجمالية الى مقامات النفس واوجه سعادتها وتعاستها ، واوضح كيفية مجاهدتها انشاء الله .




المقام الاول





وفيه عدة فصول



فصل





اشارة الى المقام الاول للنفس







اعلم ان مقام النفسالاول ومنزلها الاسفل ، هو منزل الملك والظاهر وعالمهما . وفي هذا المقام تتالقالاشعة والانوار الغيبية في هذا الجسد المادي والهيكل الظاهري ، وتمنحه الحياةالعرضية ، وتجهز فيه الجيوش ، فكان ميدان المعركة هو نفس هذا الجسد ، وجنوده هيقواه الظاهرية التي وجدت في الاقاليم الملكية السبعة يعني : «الاذن والعين واللسانوالبطن والفرج واليد والرجل» . وجميع هذه القوى المتوزعة في تلك الاقاليم السبعة هيتحت تصرف النفس في مقام الوهم ، فالوهم سلطان جميع القوى الظاهرية والباطنية للنفس، فاذا تحكم الوهم على تلك القوى سواء بذاته ـ مستقلا ـ او بتدخل الشيطان ، جعلها ـاي تلك القوى ـ جنودا للشيطان ، وبذلك يجعل هذه المملكة تحت سلطان الشيطان ، وتضمحلعندها جنود الرحمن والعقل ، وتنهزم وتخرج من نشاة الملك وعالم الانسان وتهاجر عنه ،وتصبح هذه الملكة خاصة بالشيطان . واما اذا خضع الوهم لحكم العقل والشرع ، وكانتحركاته وسكناته مقيدة بالنظام والعقل والشرع ، فقد اصبحت هذه المملكة مملكة روحانيةوعقلانية ، ولم يجد الشيطان وجنوده محط قدم لهم فيها .

اذا ، فجهاد النفس (وهو الجهاد الاكبر الذي يعلو على القتل في سبيل الحق تعالى) هوفي هذا المقام عبارة عن انتصار الانسان على قواه الظاهرية ، وجعلها تأتمر بامرالخالق ، وتطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده .






فصل





في التفكر







اعلم ان اول شروطمجاهدة النفس والسير باتجاه الحق تعالى ، هو «التفكر» ، وقد وضعه بعض علماء الاخلاقفي بدايات الدرجة الخامسة ، وهذا ـ التصنيف ـ صحيح ايضا في محله .

والتفكر في هذا المقام هو ان يفكر الانسان بعض الوقت في ان مولاهالذي خلقه في هذه الدنيا ، وهيا له كل اسباب الدعة والراحة ، ووهبه جسما سليما وقوىسالمة لكل واحدة منها منافع تحير الباب الجميع ، ورعاه وهيأ له كل هذه السعة واسبابالنعمة والرحمة . ومن جهة اخرى ، ارسل جميع هؤلاء الانبياء ، وانزل كل هذه الكتب «الرسالات» ، وارشد ودعا الى الهدى ... فما هو واجبنا تجاه هذا المولى مالك الملوك؟! . هل ان وجود جميع هذه النعم ،هو فقط لاجل هذه الحياة الحيوانية واشباعالشهوات التي نشترك فيها مع الحيوانات ، ام ان هناك هدفا وغاية اخرى ؟

هل ان للانبياء الكرام ، والاولياء العظام ، والحكماء الكبار ،وعلماء كل امة الذين يدعون الناس الى حكم العقل والشرع ويحذرونهم من الشهواتالحيوانية ومن هذه الدنيا البالية ، عداء ضد الناس ام انهم كانوا مثلنا لا يعلمونطريق صلاحنا نحن المساكين المنغمسين في الشهوات ؟! .
انالانسان اذا فكر للحظة واحدة ، عرف ان الهدف من هذه النعم هو شيء آخر ، وان الغايةمن هذا الخلق ، اسمى واعظم وان هذه الحياة الحيوانية ليست هي الغاية بحد ذاتها ،وان على الانسان العاقل ان يفكر بنفسه ، وان يترحم على حاله ونفسه المسكينة ؛ويخاطبها : ايتها النفس الشقية التي قضيت سنين عمرك الطويلة في الشهوات ولم يكننصيبك سوى الحسرة والندامة ، ابحثي عن الرحمة ، واستحي من مالك الملوك ، وسيريقليلا في طريق الهدف الاساسي المؤدي الى حياة الخلد والسعادة السرمدية ، ولا تبيعيتلك السعادة بشهوات ايام قليلة فانية ، التي لا تتحصل حتى مع الصعوبات المضنيةالشاقة . فكّري قليلاًًً أحوال أهل الدنيا والسابقين ، وتاملي متاعبهم وآلامهم كمهي اكبر واكثر بالنسبة الى هنائهم ، في نفس الوقت الذي لا يوجد فيه هناء وراحة لايشخص .
ذلك الذي يكون في صورة الانسان ولكنه من جنودالشيطان واعوانه ، والذي يدعوك الى الشهوات ، ويقول : يجب ضمان الحياة المادية ،تامل قليلا في حال نفس ذلك الانسان واستنطقه ، وانظر هل هو راض عن ظروفه ، ام انهمبتل ويريد ان يبلي مسكينا آخر ؟! .
وعلى اي حال ؛ فادعربك بعجز وتضرع ان يعينك على اداء واجباتك التي ينبغي ان تكون اساس العلاقة فيمابينك وبينه تعالى ، والامل ان يهديك هذا التفكير ـ المقترن بنية مجاهدة الشيطانوالنفس الامارة ـ الى طريق آخر ، وتوفق للترقي الى منزلة اخرى من منازل المجاهدة .








فصل





في العزم







وهناك مقام آخريواجه الانسان المجاهد بعد التفكر ، وهو مقام العزم (وهذا هو غير الارادة التي عدهاالشيخ الرئيس في الاشارات اولى درجات العارفين) . يقول احد مشايخنا اطال الله عمره : «ان العزم هو جوهر الانسانية ، ومعيار ميزة الانسان ، وان اختلاف درجات الانسانباختلاف درجات عزمه» .

والعزم الذي يتناسب وهذا المقام ، هو انيوطن الانسان نفسه ويتخذ قرارا بترك المعاصي وباداء الواجبات ، وتدارك ما فاته فيايام حياته ، وبالتالي ان يعمل على ان يجعل من ظاهره انسانا عاقلا وشرعيا ، بحيثيحكم الشرع والعقل ـ بحسب الظاهر ـ بان هذا الشخص انسان . والانسان الشرعي هو الذيينظم سلوكه وفق ما يتطلبه الشرع ، وان يكون ظاهره كظاهر الرسول الاكرم صلى اللهعليه وآله وسلم ، وان يقتدي بالنبي العظيم صلى الله عليه وآله وسلم ويتاسى به فيجميع حركاته وسكناته ، وفي جميع ما يفعل وما يترك . وهذا امر ممكن ، لان جعل الظاهرمثل هذا القائد امر مقدور لاي فرد من عباد الله .
واعلم ... ان طي اي طريق في المعارف الالهية ، لا يمكن الا بالبدا بظاهر الشريعة ، وما لميتادب الانسان بآداب الشريعة الحقة ، لا يحصل له شيء من حقيقة الاخلاق الحسنة ، كمالا يمكن ان يتجلى في قلبه نور المعرفة وتتكشف العلوم الباطنية واسرار الشريعة . وبعد انكشاف الحقيقة ، وظهور انوار المعارف في قلبه ، سيستمر ايضا في تادبه بالآدابالشرعية الظاهرية .
ومن هنا نعرف بطلان دعوى من يقول : (ان الوصول الى العلم الباطن يكون بترك العلم الظاهر) ، او (انه وبعد الوصول الىالعلم الباطن ينتفي الاحتياج الى الآداب الظاهرية) . وهذه الدعوى ترجع الى جهل منيقول بها ، وجهله بمقامات العبادة ودرجات الانسانية . ولعلي اكون ـ ان شاء اللهتعالى ـ موفقا لبيان بعض هذا الامر في هذه الاوراق .



فصل





( السعي للحصول على العزم )







ايها العزيز ... اجتهد لتصبح ذا عزم وارادة ، فانك اذا رحلت من هذه الدنيا دون ان يتحقق فيك العزم ـعلى ترك المحرمات ـ فانت انسان صوري ، بلا لب ، ولن تحشر في ذلك العالم (عالمالآخرة) على هيئة الانسان ، لان ذلك العالم هو محل كشف الباطن وظهور السريرة . وانالتجرؤ على المعاصي يفقد الانسان تدريجيا العزم ويختطف منه هذا الجوهر الشريف . يقول الاستاذ المعظم دام ظله : «ان اكثر ما يسبب على فقد الانسان العزم والارادة هوالاستماع للغناء» .

اذا ؛ تجنب يا اخي المعاصي ، واعزمعلى الهجرة الى الحق تعالى ، واجعل ظاهرك ظاهرا انسانيا ، وادخل في سلك اربابالشرائع ، واطلب من الله تعالى في الخلوات ان يكون معك في الطريق لهذا الهدف ،واستشفع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته حتى يفيض ربك عليك التوفيق ،ويمسك بيدك في المزاليق التي تعترضك ، لان هناك مزالق كثيرة تعترض الانسان ايام حياته ، ومن الممكن انه في لحظة واحدة يسقط في مزلق مهلك ، يعجزمن السعي لانقاذ نفسه ، بل قد لا يهتم بانقاذ نفسه ، بل ربما لا تشمله حتى شفاعةالشافعين . نعوذ بالله منها .






فصل





في المشارطة والمراقبة والمحاسبة







ومن الامور الضروريةللمجاهد : «المشارطة والمراقبة والمحاسبة» . فالمشارط هو الذي يشارط نفسه في اوليومه على ان لا يرتكب اليوم اي عمل يخالف اوامر الله ، ويتخذ قرارا بذلك ويعزم عليه . وواضح ان ترك ما يخالف اوامر الله ، ليوم واحد ، امر يسير للغاية ، ويمكن للانسانبيسر ان يلتزم به . فاعزم وشارط وجرب ، وانظر كيف ان الامر سهل يسير .

ومن الممكن ان يصور لك ابليس اللعين وجنده ان الامر صعب وعسير . فادرك ان هذه هي من تلبيسات هذا اللعين ، فالعنه قلبا وواقعا ، واخرج الاوهام منقلبك ، وجرب ليوم واحد ، فعند ذلك ستصدق هذا الامر .

وبعد هذه المشارطة عليك ان تنتقل الى «المراقبة» ، وكيفيتها هي ان تنتبه طوال مدةالمشارطة الى عملك وفقها ، فتعتبر نفسك ملزما بالعمل وفق ما شارطت . واذا حصل ـ لاسمح الله ـ حديث لنفسك بان ترتكب عملا مخالفا لامر الله ، فاعلم ان ذلك من عملالشيطان وجنده ، فهم يريدونك ان تتراجع عما اشترطته على نفسك ، فالعنهم واستعذبالله من شرهم ، واخرج تلك الوساوس الباطلة من قلبك ، وقل للشيطان : «اني اشترطتعلى نفسي ان لا اقوم في هذا اليوم ـ وهو يوم واحد ـ باي عمل يخالف امر الله تعالى ،وهو ولي نعمتي طول عمري ، فقد انعم وتلطف علي بالصحة والسلامة والامن والطاف اخرى ،ولو اني بقيت في خدمته الى الابد لما اديت حق واحدة منها ، وعليه فليس من اللائق انلا افي بشرط بسيط كهذا» ، وآمل ـ ان شاء الله ـ ان ينصرف الشيطان ، ويبتعد عنك ،وينتصر جنود الرحمن .
والمراقبة لا تتعارض مع اي مناعمالك كالكسب والسفر والدراسة ، فكن على هذه الحال الى الليل ريثما يحين وقتالمحاسبة .
واما «المحاسبة» فهي ان تحاسب نفسك لترى هلاديت ما اشترطت على نفسك مع الله ، ولم تخن ولي نعمتك في هذه المعاملة الجزئية ؟اذا كنت قد وفيت حقا ، فاشكر الله على هذا التوفيق ، وان شاء الله ييسر لك سبحانهالتقدم في امور دنياك وآخرتك ، وسيكون عمل الغد ايسر عليك من سابقه ، فواظب على هذاالعمل فترة ، والمامول ان يتحول الى ملكة فيك بحيث يصبح هذا العمل بالنسبة اليكسهلا ويسيرا للغاية ، وستحس عندها باللذة والانس في طاعة الله تعالى وترك معاصيه ، وفي هذا العالم بالذات ، في حين ان هذا العالم ليس هو عالمالجزاء لكن الجزاء الالهي يؤثر ويجعلك مستمتعا وملتذا ـ بطاعتك الله وابتعادك عنالمعصية ـ .
واعلم ان الله لم يكلفك ما يشق عليك به ،ولم يفرض عليك ما لا طاقة لك به ولا قدرة لك عليه ، لكن الشيطان وجنده يصورون لكالامر وكانه شاق وصعب .
واذا حدث ـ لا سمح الله ـ فياثناء المحاسبة تهاونا وفتورا تجاه ما اشترطت على نفسك ، فاستغفر الله واطلب العفومنه ، واعزم على الوفاء بكل شجاعة بالمشارطة غدا ، وكن على هذا الحال كي يفتح اللهتعالى امامك ابواب التوفيق والسعادة ، ويوصلك الى الصراط المستقيم للانسانية








فصل





في التذكر







ومن الامور التيتعين الانسان ـ وبصورة كاملة ـ في مجاهدته للنفس والشيطان ، والتي ينبغي للانسانالسالك المجاهد الانتباه اليها جيدا هو «التذكر» . وبذكره نختم الحديث عن هذاالمقام ، على رغم من انه لا زال هناك الكثير من المواضيع .

والذكرى في هذا المقام ، هي عبارة عن ذكر الله تعالى ونعمائه التيتلطف بها على الانسان .

واعلم ان احترام المنعم وتعظيمه، هو من الامور الفطرية التي جبل الانسان عليها والتي تحكم الفطرة بضرورتها ، واذاتامل اي شخص في كتاب ذاته ، لوجده مسطورا فيه انه يجب تعظيم من انعم نعمة علىالانسان . وواضح انه كلما كانت النعمة اكبر وكان المنعم اقل غرضا ، كان تعظيمه اوجبواكثر ، حسب ما تحكم به الفطرة . فهناك مثلا فرق واضح في الاحترام والتقدير بين شخصيعطيك «حصانا» تلاحقه عيناه ويرمي من ورائه شيئا ، وبين الذي يهبك مزرعة كاملة ولايمن عليك . او مثلا ، اذا انقذك طبيب من العمى ، فستقدره وتحترمه بصورة فطرية ،واذا انقذك من الموت كان تقديرك واحترامك له اكثر .
لاحظالآن ان النعم الظاهرة والباطنة التي تفضل بها علينا مالك الملوك جل شانه لو اجتمعالجن والانس لكي يعطونا واحدة منها لما استطاعوا . وهذه حقيقة نحن غافلون عنها ،فمثلا هذا الهواء الذي ننتفع به ليلا ونهارا ، وحياتنا وحياة جميع الموجودات مرهونةبه ، بحيث لو فقد مدة ربع ساعة لما بقي هناك حيوان على قيد الحياة ، هذا الهواء كمهو نعمة عظيمة ، يعجز الجن والانس جميعا عن منحنا مثيلا لها لو ارادوا ان يمنحوناذلك ؟ وعلى هذا فقس وتذكر قليلا كافة النعم الالهية مثل سلامة البدن والقوىالظاهرية من قبيل البصر والسمع والتذوق واللمس ، والقوى الباطنية مثل التخيل والواهمة والعقل وغير ذلك حيث يكونلكل واحدة من هذه النعم منافع خاصة لا حد لها . وجميع هذه النعم وهبنا مالك الملوكاياها دون ان نطلب منه او يمن علينا ، ولم يكتف بهذه النعم بل ارسل الانبياء والرسلوالكتب واوضح لنا طريق السعادة والشقاء والجنة والنار ، ووهبنا كل ما نحتاجه فيالدنيا والآخرة ، دون ان يكون فقيرا ومحتاجا الى طاعتنا وعبادتنا . فهو سبحانه لاتنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ، وطاعتنا ومعصيتنا بالنسبة له على حد سواء ، بل مناجل خيرنا ومنفعتنا نحن يامر وينهي . وبعد تذكر هذه النعم والكثير الكثير من النعمالاخرى التي يعجز حقا جميع البشر عن احصاء الكليات منها ، فكيف بعدّها واحدا واحدا؟ بعد ذلك يطرح السؤال التالي : الا تحكم فطرتك بوجوب تعظيم منعم كهذا وما هو حكمالعقل تجاه خيانة ولي نعمة كهذا ؟! .
ومن الامور الاخرىالتي تقرها الفطرة ، احترام الشخص الكبير العظيم ، ويرجع كل هذا الاحترام والتقديرالذي يبديه الناس تجاه اهل الدنيا والجاه والثروة والسلاطين والاعيان ، يرجع الىانهم يرون اولئك كبارا وعظماء ، فاي عظمة تصل الى مستوى عظمة مالك الملوك الذي خلقهذه الدنيا الحقيرة الوضيعة والتي تعتبر من اصغر العوالم واضيق النشئات ، رغم كلذلك لم يتوصل عقل اي موجود الى ادراك كنهها وسرها حتى الآن ، بل ولم يطلع كبارالمكتشفين في العالم بعد ، على اسرار منظومتنا الشمسية هذه ، وهي اصغر المنظوماتولا تعد شيئا قياسا بباقي الشموس . افلا يجب احترام وتعظيم هذا العظيم ، الذي خلقهذه العوالم وآلاف الآلاف من العوالم الغيبية بايماءة ؟! .
ويجب ايضا بالفطرة ، احترام من يكون حاضرا ، ولهذا ترى بانالانسان اذا تحدث ـ لا سمح الله ـ عن شخص بسوء ، في غيبته ، ثم حضر في اثناء الحديثذلك الشخص ، اختار المتحدث حسب فطرته الصمت ، وابدى له الاحترام . ومن المعلوم انالله تبارك وتعالى حاضر في كل مكان وتحت اشرافه تعالى تدار جميع ممالك الوجود ، بلان كل نفس تكون في حضرة الربوبية وكل علم يوجد ضمن محضره سبحانه وتعالى .
فتذكري يا نفسي الخبيثة اي ظلم فظيع ، واي ذنب عظيم تقترفين اذاعصيت مثل هذا العظيم في حضرته المقدسة وبواسطة القوى التي هي نعمه الممنوحة لك ؟الا ينبغي ان تذوبي من الخجل وتغوري في الارض لو كان لديك ذرة من الحياء ؟ .
اذا : فيا أيها العزيز ؛ كن ذاكرا لعظمة ربك ، وتذكرنعمه والطافه ، وتذكر انك في حضرته ـ وهو شاهد عليك ـ فدع التمرد عليه ، وفي هذهالمعركة الكبرى تغلب على جنود الشيطان ، واجعل من مملكتك مملكة رحمانية وحقانية ،واحلل فيها عسكر الحق تعالى محل جنود الشيطان ، كي يوفقك الله تبارك وتعالى في مقاممجاهدة اخرى ، وفي ميدان معركة اكبر تنتظرنا وهي الجهاد مع النفس في العالم الباطن ، وفي المقام الثاني للنفس ، وهذا ما سنشيراليه لاحقا ان شاء الله . واكرر التذكير بانه في جميع الاحوال لا تعلق على نفسكالآمال لانه لا ينهض احد بعمل غير الله تعالى . فاطلب من الحق تعالى نفسه بتضرعوخشوع ، كي يعنيك في هذه المجاهدة لعلك تنتصر . انه ولي التوفيق .








المقام الثاني





وفيه عدة فصول ايضاً




فصل





صراع جنود الرحمن مع جنود الشيطان الباطنية النفسية







اعلم ان للنفسالانسانية مملكة (عالما) ومقاما آخر ، وهي مملكتها الباطنية ونشاتها الملكوتية ،وفيها تكون جنود النفس اكثر واهم مما في مملكة الظاهر ، والصراع والنزاع فيها بينالجنود الرحمانية والشيطانية اعظم والغلبة والانتصار فيها اشد واهم ، بل وان كل مافي مملكة الظاهر قد تنزل من هناك وتظهر في عالم المُلك . واذا تغلب اي من الجندالرحماني او الشيطاني في تلك المملكة ، يتغلب ايضا في هذه المملكة . وجهاد النفس فيهذا المقام مهم للغاية ، عند المشايخ العظام من اهل السلوك والاخلاق ، بل ويمكناعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات ، والدرجات والدركات .

ويجب على الانسان الالتفات كثيرا الى نفسه في هذا الجهاد . فمنالممكن ـ لا سمح الله ـ ان تسفر هزيمة الجنود الرحمانية في تلك المملكة وتركهاخالية للغاصبين والمحتلين من جنود الشيطان ، عن الهلاك الدائم للانسان بالصورة التييستحيل معها تلافي الخسارة ، ولا تشمله شفاعة الشافعين ، وينظر اليه ارحم الراحمينايضا بعين الغضب والسخط ـ نعوذ بالله من ذلك ـ بل ويصبح شفعاؤه خصماءه ، وويل لمنكان شفيعه خصمه .

ويعلم الله اي عذاب وظلمات وشدائدوتعاسات تلي هذا الغضب الالهي ، وتعقب معاداة اولياء الله حيث تكون كل نيران جهنموكل الزقوم والافاعي والعقارب لا شيء امام هزيمة جنود الرحمان من قِبَل جنودالشيطان التي تترتب عليها عقوبات تفوق جميع نيران جهنم والزقوم والافاعي . والعياذبالله من ان يصب على رؤوسنا نحن الضعفاء والمساكين ذلك العذاب الذي يخبر عنهالحكماء والعرفاء واهل الرياضة والسلوك ، فان جميع اشكال العذاب التي تتصورونها ،يسيرة وسهلة في مقابله ، وجميع النيران التي سمعتم بها ، جنة ورحمة في قبالهوبالنسبة الى ذلك العذاب .







ان وصف النار والجنة الوارد في كتاب الله واحاديث الانبياء والاولياء ، يتعلق غالبابنار الاعمال وجنتها اللتين اعدتا للاعمال الصالحة والسيئة . وهناك اشارة خفية ايضاالى جنة الاخلاق ونارها ، واهميتهما اكبر ، واحيانا يشار ايضا الى جنة اللقاء ونارالفراق ، وهذه اهم من الجميع ، ولكنها اشارات محجوبة عنا ولها اهلها ، وانا وانتلسنا من اهلها ، ولكن من الاجدر بنا ان لا نكون منكرين لها . وليكن لدينا ايمان بكلما قاله الله تعالى واولياؤه . اذ يكون في هذا الايمان الاجمالي نفع لنا . ومنالممكن ان يكون الانكار في غير محله ، والرفض في غير موقعه الصادرين عن غير علموفهم ، اضرار كبيرة جدا علينا . وهذا الدنيا ليست هي بعالم الالتفات لتلك الاضرار ،فمثلا عند سماعك الحكيم الفلاني او العارف الفلاني او المرتاض الفلاني ، يقول شيئالا يتلاءم وذوقك الخاص ، فلا تحكم عليه فورا بالبطلان والوهم ، فقد يكون لذلك القولاصل في الكتاب والسنة ولكن عقلك لم يطلع عليه بعد .

فماالفرق بين ان يفتي فقيه بفتوى في باب الديات وانتم لم تعرفوها ، فمن دون مراجعةدليله تردونه ، وبين ان يقول شخص سالك الى الله او عارف بالله ، قولا يتعلقبالمعارف الالهية او باحوال الجنة والنار ، وانتم ـ ودون مراجعة لدليله ـ لا تردونهفحسب بل وتهينونه او تتجرأون عليه ؟ فمن الممكن لذلك الشخص وهو من اهل ذلك الواديوصاحب ذلك الفن ان يكون له دليل من كتاب الله ، او من احاديث الائمة ، ولكنك لمتطلع عليه بعد ، ففي هذه الحالة تكون قد رددت على الله ورسوله دون مبرر مقبول . ومعلوم ان الاحتجاج باسلوب «ان ذلك لا يتلاءم مع ذوقي» او «لم يصل اليه علمي» او «سمعت خلاف ذلك من الخطباء» ، فان هذا كله لا يشكل عذرا مقبولا . وعلى اي حال لنرجعالى صلب الموضوع .

فما قالوه بشان جنة الاخلاق والملكات، وجهنم الاخلاق والدركات ، مصيبة لا يطيق العقل حتى سماعها .
اذا فيا ايها العزيز ؛ فكر ، وابحث عن العلاج ، واعثر على سبيلنجاتك ووسيلة خلاصك ، واستعن بالله ارحم الراحمين ، واطلب من الذات المقدس ، فيالليالي المظلمة ، بتضرع وخضوع ان يعينك في هذا لاجهاد المقدس مع النفس ، لكي تتغلبان شاء الله ، وتجعل مملكة وجودك رحمانية ، وتطرد منها جنود الشيطان ، وتسلم الدارالى صاحبها حتى يفيض الله عليك السعادة والبهجة والرحمة التي يهون الى جانبها كل ماسمعت عن وصف الجنة والحور والقصور ، وتلك هي السلطة الالهية العامة التي اخبر عنهااولياء الله من هذه الامة الحنيفة ، مما لم يطرق سمع احد ولم يخطر على قلب بشر .








فصل





اشارة الى بعض القوى الباطنية







اعلم ان الله تباركوتعالى قد خلق بيد قدرته وحكمته في عالم الغيب وباطن النفس ، قوىً لها منافع لاتحصى . ومورد بحثنا هنا هو ما يتعلق بهذه القوى الثلاث ، وهي : «الوهمية ، والغضبية والشهوانية»، ولكل واحدة من هذه القوى منافع كثيرة لاجل حفظ النوعوالشخص واعمار الدنيا والآخرة كما ذكر ذلك العلماء . والآن لا حاجة لنا بذلك ،والذي يلزم ان انبه عليه في هذا المقام هو ان هذه القوى الثلاث هي منبع جميعالملكات الحسنة والسيئة ، واصل جميع الصور الغيبية الملكوتية . وتفصيل هذا الاجمالهو ان الانسان كما ان له في هذه الدنيا صورة ملكية دنيوية ، خلقها الله تباركوتعالى على كمال الحسن والجمال والتركيب البديع ، والمتحيرة ازاءه عقول جميعالفلاسفة والعظماء ، والذي لم يستطع علم معرفة الاعضاء والتشريح حتى الآن ان يتعرفعلى حاله بصورة صحيحة ، وقد ميزه الله تعالى عن جميع المخلوقات بحسن التقويم وجودةجمال المنظر ، كذلك فان له ـ اي للانسان ـ صورة وهيئة وشكلا ملكوتيا غيبيا ، وهذهالصورة تابعة لملكات النفس والخلقة الباطنية .

وفي عالمما بعد الموت ـ سواء في البرزخ او القيامة ـ اذا كانت خلقة الانسان في الباطنوالمَلَكة والسريرة انسانية ، تكون الصورة الملكوتية له صورة انسانية ايضا . وامااذا لم تكن ملكاته ملكات انسانية ، فصورته ـ في عالم ما بعد الموت ـ تكون غيرانسانية ايضا ، وهي تابعة لتلك السريرة والملكة . فمثلا اذا غلبت على باطنه ملكةالشهوة والبهيمية ، واصبح حكم مملكة الباطن حكم البهيمة ، كانت صورة الانسانالملكوتية على صورة احدى البهائم التي تتلاءم وذلك الخلق . واذا غلبت على باطنهوسريرته ملكة الغضب والسبعية ، وكان حكم مملكة الباطن والسريرة حكما سبعيا ، كانتصورته الغيبية الملكوتية صورة احد السباع والبهائم . واذا اصبح الوهم والشيطنة هماالمَلَكة ، واصحبت للباطن والسريرة ملكات شيطانية كالخداع والتزوير والنميمةوالغيبة ، تكون صورته الغيبية الملكوتية على صورة احد الشياطين بما يتناسب وتلكالصورة .

ومن الممكن احيانا ان تتركب الصورة الملكوتيةمن ملكتين او عدة ملكات ، وفي هذه الحالة لا تكون على صورة اي من الحيوانات ، بلتتشكل له صورة غيبية هذه الصورة بهيئتها المرعبة المدهشة والسيئة المخيفة لن يكونلها مثيل في هذا العالم .
ينقل عن رسول الله صلى اللهعليه وآله وسلم ان بعض الناس يحشرون يوم القيامة على صور تكون اسوا من صور القردة ،بل وقد تكون لشخص واحد عدة صور في ذلك العالم ، لان ذلك العالم ليس كهذا العالم ، حيث لا يمكن لاي شيء ان يتقبل اكثر من صورة واحدة له، وهذا الامر يطابق البرهان وثابت في محله ايضا .
واعلمان المعيار لهذه الصور المختلفة ـ والتي تعد صورة الانسان واحدة منها ، والباقي صوراشياء اخرى ـ هو وقت خروج الروح من هذا الجسد ، وظهور مملكة البرزخ ، واستيلاءسلطان الآخرة ، والذي اوله في البرزخ عند خروج الروح من الجسد ، فباية ملكة يخرجبها من الدنيا ، تتشكل على ضوئها صورته الاخروية ، وتراه العين الملكوتية في البرزخ، وهو نفسه ايضا عندما يفتح عينه في برزخه ، ينظر الى نفسه بالصورة التي هو عليها ـفي ذلك العالم ـ اذا كان لديه بصر . وليس من المحتم ان تكون صورة الانسان في ذلكالعالم على نفس تلك الصورة التي كان عليها في هذه الدنيا . يقول سبحانه وتعالى علىلسان البعض : «قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا»، فياتيه الجواب ـ من الله ـ : «قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى»سورة طه ، آية : 125 ـ 126 . (1) .
فيا ايها المسكين ؛ قدكانت لديك عين ملكية ظاهرة البصر ، ولكنك في باطنك وملكوتك كنت اعمى ، وقد ادركتالآن هذا الامر ، والا فانك كنت اعمى منذ البداية ، لم تكن لديك عين البصيرةالباطنية التي ترى بها آيات الله .
ايها المسكين ! انتذو قامة متناسقة وصورة جميلة في التركيب الملكي . ومعيار الملكوت والباطن غير هذا . عليك ان تحرز الاستقامة الباطنية كي تكون مستقيم القامة في يوم القيامة . يجب انتكون روحك روحا انسانية كي تكون صورتك في عالم البرزخ صورة انسانية ... انت تظن انعالم الغيب والباطن ـ وهو عالم كشف السرائر وظهور الملكات ـ مثل عالم الظاهروالدنيا ، حيث يمكن ان يقع الخلط والاشتباه ... ان عينيك واذنيك ويديك ورجليك وسائراعضاء جسدك ، جميعها ، ستشهد عليك بما فعلت ، بالسنة ملكوتية ، بل وبعضها بصورملكوتية .
ايها العزيز ؛ إفتح سمع قلبك ، وشد حزام الهمةعلى وسطك ، وارحم حال مسكنتك ، لعلك تستطيع ان تجعل من نفسك انسانا ، وان تخرج منهذا العالم بصورة آدمية ، لتكون عندها من اهل الفلاح والسعادة ، وحذارى من ان تتصوران كل ما تقدم هو موعظة وخطابة . فهذا كله هو نتيج ادلة فلسفية توصل اليه الحكماءالعظام . وكشف ، انكشف لاصحاب الرياضات ، واخبار عن الصادقين والمعصومين .








فصل





في بيان لجم الانبياء لطبيعة الانسان







اعلم ان الوهموالغضب والشهوة من الممكن ان تكون من الجنود الرحمانية ، وتؤدي الى سعادة الانسانوتوفيقه اذا سلمتها للعقل السليم وللانبياء العظام ، ومن الممكن ان تكون من الجنودالشيطانية اذا تركتها وشانها ، واطلقت العنان للوهم ليتحكم في القوتين الاخريين : الغضب والشهوة .

وايضا لم يعد خافيا ان ايا من الانبياءالعظام (عليهم السلام) لم يكبتوا الشهوة والغضب والوهم بصورة مطلقة ، ولم يقل ايداع الى الله حتى الآن ، بان الشهوة يمكن ان تُقتل بصورة عامة ، وان يُخمد اوارالغضب بصورة كاملة ، وان يترك تدبير الوهم ، بل قالوا : [يجب السيطرة عليها حتىتؤدي واجبها في ظل ميزان العقل والدستور الالهي] لان هذه القوى كل واحدة منها تريدان تنجز عملها وتنال غايتها ولو استلزم ذلك الفساد والفوضى . فمثلا النفس البهيميةالمنغمسة في الشهوة الجامحة التي مزقت عنانها ، ـ هذه النفس ـ تريد ان تحقق هدفهاومقصودها ولو كان ذلك يتم بواسطة الزنا بالمحصنات وفي الكعبة (والعياذ بالله) . والنفس الغضوب ، تريد ان تنجز ما تريده حتى ولو استلزم ذلك قتل الانبياء والاولياء . والنفس ذات الوهم الشيطاني تريد ان تؤدي عملها حتى ولو استلزم ذلك الفساد فيالارض ، وقلب العالم بعضه على بعض .

لقد جاء الانبياء (عليهم السلام) ، واتوا بقوانين ، وانزلت عليهم الكتب السماوية ، من اجل الحيلولةدون الاطلاق والافراط في الطبائع ، ومن اجل اخضاع النفس الانسانية لقانون العقلوالشرع وترويضها وتاديبها حتى لا يخرج تعاملها عن حدود العقل والشرع .
اذا ؛ فكل نفس كيفت ملكاتها وفق القوانين الالهية والمعاييرالعقلية ، فهي سعيدة ومن اهل النجاة ، والا فليستعذ الانسان بالله من ذلك الشقاءوسوء التوفيق وتلك الظلمات والشدائد المقبلة ، ومنها تلك الصور المرعبة والمذهلةالتي تصاحبه في البرزخ والقبر والقيامة وجهنم ، والتي نتجت عن الملكات والاخلاقالفاسدة التي لازمته .








فصل





في بيان السيطرة على الخيال







اعلم ان اول شرطللمجاهد في هذا المقام والمقامات الاخرى ، والذي يمكن ان يكون اساس الغلبة علىالشيطان وجنوده ، هو حفظ طائر الخيال ، لان هذا الخيال طائر محلق يحط في كل آن علىغصن ، يجلب الكثير من الشقاء . وانه من احدى وسائل الشيطان التي جعل الانسان بواسطتها مسكينا عاجزا ودفعت به نحو الشقاء .

وعلى الانسان المجاهد الذي نهض لاصلاح نفسه ، واراد ان يصفّي باطنه ، ويفرغه منجنود ابليس ، عليه ان يمسك بزمامه خياله وان لا يسمح له بان يطير حيثما شاء ، وعليهان يمنع من اعتراضه للخيالات الفاسدة والباطلة ، كخيالات المعاصي والشيطنة ، وانيوجه خياله دائما نحو الامور الشريفة ، وهذا الامر ولو انه قد يبدو في البداية صعبابعض الشيء ، ويصوره الشيطان وجنوده لنا وكانه امر عظيم ، ولكنه يصبح يسيرا ، بعدشيء من المراقبة والحذر .

ان من الممكن لك ـ من بابالتجربة ـ ان تسيطر على جزء من خيالك ، وتنتبه به جيدا . فمتى ما اراد ان يتوجه الىامر وضيع ، فاصرفه نحو امور اخرى كالمباحات او الامور الراجحة الشريفة . فاذا رايتانك حصلت على نتيجة فاشكر الله تعالى على هذا التوفيق ، وتابع سعيك ، لعل ربك يفتحلك برحمته الطريق امامك للملكوت وتهتدي الى صراط الانسانية المستقيم ، ويسهل عليكمهمة السلوك اليه سبحانه وتعالى .
وانتبه الى انالخيالات الفاسدة القبيحة والتصورات الباطلة هي من القاءات الشيطان ، الذي يريد انيوطن جنوده في مملكة باطنك . فعليك ايها المجاهد ضد الشيطان وجنوده ، وانت تريد انتجعل من صفحة نفسك مملكة إلهية رحمانية ، عليك ان تحذر كيد هذا اللعين ، وان تبعدعنك هذه الاوهام المخالفة لرضا الله تعالى ، حتى تنتزع ـ ان شاء الله ـ هذا الخندقالمهم جدا من يد الشيطان وجنوده في هذه المعركة الداخلية . فهذا الخندق بمنزلة الحدالفاصل ، فاذا تغلبت هنا فتامل خيرا .
ايها العزيز ... استعن بالله تبارك وتعالى في كل آن ولحظة ، واستغث بحضرة معبودك ، واطلب منه بعجزوالحاح ...
اللهم ... ان الشيطان عدو عظيم ، كان له ولايزال طمع بانبيائك واوليائك العظام .
اللهم ... فاعنيواناعبدك الضعيف المبتلي بالاوهام الباطلة والخيالات والخرافات العاطلة ، كي استطيعان اجابه هذا العدو القوي .
اللهم ... وساعدني في ساحةالمعركة مع هذا العدو القوي الذي يهدد سعادتي وانسانيتي ، لكي استطيع ان اطرد جنودهمن المملكة العائدة لك ، واقطع يد هذا الغاصب من البيت المختص بك .








فصل





في الموازنة







ومن الامور التيتعين الانسان في هذا السلوك ، والتي يجب عليه الانتباه بها ، هي «الموازنة» فالموازنة هي ان يقارن الانسان العاقل بين منافع ومضار كل واحدة من الاخلاق الفاسدة والملكات الرذيلة التي تنشا عن الشهوة والغضب والوهم ـ عندما تكون حرة وتحتتصرف الشيطان ـ وبين منافع ومضار كل واحدة من الاخلاق الحسنة والفضائل النفسية ،والملكات الفاضلة والتي هي وليدة ـ تلك القوى الثلاث ـ عندما تكون تحت تصرف العقلوالشرع ، ليرى على اي واحدة منها يصح الاقدام ويحسن العمل ؟! .

فمثلا ، ان النفس ذات الشهوة المطلقة العنان التي ترسخت فيها ـ ايفي النفس ـ واصبحت ملكة ثابتة لها ، وتولدت منها ملكات كثيرة في ازمنة متطاولة ،هذه النفس لا تتورع عن اي فجور تصل يدها اليه ، ولا تعرض عن اي مال ياتيها ، ومن ايطريق كان ، وترتكب كل ما يوافق رغبتها وهواها ـ مهما كان ـ ولو استلزم ذلك اي امرفاسد .

ومنافع الغضب الذي اصبح ملكة للنفس ، وتولدت منهملكات ورذائل اخرى ، منافعه هي انه يظلم بالقهر والغلبة كل من تصل اليه يده ، ويفعلما يقدر عليه ضد كل شخص يبدي ادنى مقاومة ، ويثير الحرب باقل معارضة له ، ويبعدالمضرات وما لا يلائمه ، باية وسيلة مهما كانت ، ولو ادى ذلك الى وقوع الفساد فيالعالم . وعلى هذا النحو تكون منافع النفس لصاحب الواهمة الشيطانية الذي ترسخت فيههذه الملكة . فهو ينفذ عمل الغضب و الشهوة باية شيطنة وخدعة كانت ، ويسيطر على عبادالله باية خطة باطلة كانت ، سواء بتحطيم عائلة ما ، او بإبادة مدينة او بلاد ما .
هذه هي منافع تلك القوى عندما تكون تحت تصرف الشيطان ،ولكن عندما تفكرون بصورة صحيحة ، وتلاحظون احوال هؤلاء الاشخاص ، تجدون ان اي شخص ـمهما كان قويا ، ومهما حقق من آماله وامانيه ـ فانه ـ رغم ذلك ـ لا يحصل على واحدمن الالف من آماله ، بل ان تحقق الآمال ووصول اي شخص الى امانيه ، امر مستحيل فيهذا العالم ، فان هذا العالم هو «دار التزاحم» وان مواده تتمرد على الارادة . كماان ميولنا وامنياتنا ايضا لا يحدها حد ، فمثلا ان القوة الشهوية في الانسان ، هيبالصورة التي لو كانت بيده نساء مدينة كاملة ـ بفرض المحال ـ لتوجه الى نساء مدينةاخرى ايضا ، واذا اصبحت بلاد باكملها من نصيبه لتوجه الى بلاد اخرى ، وعلى الدوامتجده يطلب ما لا يملك ، رغم ان ذلك من فرض المحال انه مجرد خيال ، ومع هذا يبقىمرجل الشهوة مشتعلا ، وان الانسان لم يصل بعد الى امنيته . وهكذا بالنسبة الى القوةالغضبية فانها قد خلقت في الانسان بالصورة التي لو انه اصبح يملك الرقاب بشكل مطلقفي مملكة ما ، لذهب الى مملكة اخرى لم يسيطر عليها بعد ، بل ان كل ما يحصل عليهيزيد من هذه القوة فيه . وعلى كل منكر ـ لهذه الحقيقة ـ ان يراجع حاله وحال اهل هذاالعالم ، كالسلاطين ، والمتمولين ، واصحاب القوة والجاه ، وحينذاك سيصدق كلامنا هذا .






اذا ، فالانسان هو ـ على الدوام ـ عاشق لما لا يملك ولما ليس في يده ، وهذه فطرةاثبتها المشايخ العظام وحكماء الاسلام الكبار خصوصا استاذنا وشيخنا في المعارفالالهية سماحة العارف الكامل «ميرزا محمد علي شاه آبادي» روحي له الفداء ، واثبتوابها الكثير من المعارف الالهية وهي لا ترتبط بموضوعنا .

وعلى اي حال ؛ فلو وصل الانسان الى اهدافه ، فكم يدوم تمتعه واستفادته منها ؟ والىمتى تبقى قوى شبابه ؟

عندما ينقضي ربيع العمر ، ويحلخريفه ، تذهب القوة من الاعضاء ، وتتعطل الحاسة الذائقة ، وتتعطل العين والاذنوحاسة اللمس وباقي الحواس ، وتصبح اللذات ـ عموما ـ ناقصة او تفنى اصلا ، وتهجمالامراض المختلفة ، فلا تستطيع اجهزة الهضم والجذب والدفع والتنفس ان تؤدي عملهابشكل صحيح . ولا يبقى للانسان ، شيئ سوى انّات التاوّه الباردة والقلب المملوءبالالم والحسرة والندم .
اذا ؛ فمدة استفادة الانسان منتلك القوى الجسمانية لا تتجاوز الثلاثين او الاربعين عاما بالنسبة الى اقوياءالبنية والاصحاء السالمين ، ـ وهي فترة ما بعد فهم الانسان وتمييزه الحسن من القبيحالى زمن تعطيل القوى او نقصانها ـ ، وهذا يصح اذا لم يصطدم بالامراض والمشاكلالاخرى التي نراها يوميا ونحن غافلون عنها .
وافترض لكمبصورة عاجلة ، فرضية خيالية (وهذا ايضا ليس له واقع) افترض لكم عمرا هو مائة وخمسونعاما ، مع توافر جميع اسباب الشهوة والغضب والشيطنة ، وافترض بانه لا يعترضكم ايشيء غير مرغوب فيه ، ولا يحدث اي شيء يخالف هدفكم ، ـ ومع هذه الفرضية ، ماذا ستكونعاقبتكم بعد انقضاء هذه المدة القصيرة ـ والتي تمر مر الرياح ؟! فماذا ادخرتم منتلك اللذات لاجل حياتكم الدائمية ؟! لاجل يوم عجزكم ويوم فقركم ووحدتكم ؟! لاجلبرزخكم وقيامتكم ، لاجل لقاءكم بملائكة الله واوليائه وانبيائه ؟! ـ هل ادخرتم سوىالاعمال القبيحة المنكرة ، والتي ستقدم لكم صورها في البرزخ والقيامة ، وهي الصورالتي لا يعلم حقيقتها الا الله تبارك وتعالى ؟
ان جميعنيران جهنم ، وعذاب القبر والقيامة وغيرها مما سمعت هي جهنم اعمالك التي تراها هناككما يقول تعالى : «... ووجـدوا ما عمـلـوا حاضـرا ...» (1) . سورة الكهف : 49 .






لقد اكلت مال اليتيم وتلذذت بذلك ولكن الله وحده يعلم ما هي صورة هذا العمل في ذلكالعالم والتي ستراها في جهنم ، وما هي اللذة التي ستكون نصيبك هناك ؟ الله يعلم أي عذاب شديد ينتظرك بسبب تعاملك السيئ مع الناس وظلمك لهم في ذلك العالم ؟ ستفهم ايعذاب قد اعددت لنفسك بنفسك ، عندما اغتبت ؟ فان الصورة الملكوتية لهذا العمل قداعدت لك وسترد عليك وتحشر معها ، وستذوق عذابها ، وهذه هي جهنم الاعمال وهي يسيرةوسهلة وباردة وملائمة للعاصين ، واما الذين زرعوا في نفوسهم الملكة الفاسدةوالرذيلة السيئة الباطلة ، كالطمع والحرص والجدال والشره وحب المال والجاه والدنياوباقي الملكات ، فلهم جهنم لا يمكن تصورها ، لان تصورها لتلك الملكات لا يمكن انتخطر على قلبي وقلبك ، بل تظهر النار من باطن النفس ذاتها ، واهل جهنم انفسهم يفرونرعبا من عذاب اولئك . وفي بعض الروايات الموثقة ان هناك في جهنم واديا للمتكبرينيقال له «سقر» ، وقد شكا الوادي الى الله تعالى من شدة الحرارة وطلب منه سبحانه انياذن له بالتنفس ، وبعد ان اذن له تنفس ، فاحرق سقر ، جهنم #عن ابي عبد الله عليه السلام ان في جهنم لواديا للمتكبرين يقال له سقر ، شكا الىالله عز وجل شدة حره وساله ان ياذن له ان يتنفس فتنفس فاحرق جهنم . اصول الكافي ـالمجلد الثاني ـ باب الكبر ـ ح 10 .


واحيانا تصبح هذه الملكات سببا في ان يخلد الانسان في جهنم لانها تسلبه الايمان ،كالحسد الذي ورد في رواياتنا الصحيحة عن ابي عبد الله عليه السلام قال : ان الحسد ياكل الايمان كما تاكل النار الحطباصول الكافي ـ المجلد الثاني ـ كتاب الايمان والكفر ـ باب الحسد ـ ح 2 . (2) . وكحب الدنيا والجاه والمال الذي ورد في الرواياتالصحيحة انها اكثر اهلاكا لدين المؤمن من ذئبين اطلقا على قطيع بلا راع ، فوقفاحدهما في اول القطيع والثاني في آخره ... عن ابي عبد الله عليه السلام ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها احدهما في اولها والآخر في آخرها فافسد فيها من حب المال والشّرف في دين المسلم (3) . اصول الكافي ـ الملجد الثاني ـ كتاب الايمان والكفر ـ باب حب الدنيا والحرص عليها ـح 2


نسال الله ان لا تؤول عاقبة المعاصي الى الملكات والاخلاق الظلمانية القبيحة ،والتي تؤول الى فقدان الايمان وموت الانسان كافرا ، لان جهنم الكافر وجهنم العقائدالباطلة اشد بدرجات واكثر احراقا وظلمة من ذينيك الجهنمين اللذين مر ذكرهما (جهنمالاعمال ، وجهنم الملكات الفاسدة) .

ايها العزيز ... لقدثبت في العلوم العالية ان درجات الشدة غير محدودة ، فمهما تتصور انت ومهما تتصورالعقول باسرها شدة العذاب ، فوجود عذاب اشد امر ممكن ايضا ، واذا لم تر برهانالحكماء ، ولم تصدق كشف اهل الرياضات ، فانت بحمد الله مؤمن تصدق الانبياء صلواتالله عليهم ، وتقر بصحة الاخبار الواردة في الكتب المعتبرة التي يقبلها جميع علماءالامامية ، وتقر صحة الادعية والمناجاة الواردة عن الائمة المعصومين سلام اللهعليهم . انتالذي رايت مناجاة مولى المتقين امير المؤمنين سلام الله عليه ، ورايت مناجاة سيدالساجدين عليه السلام في دعاء ابي حمزة الثمالي ... فتامل قليلا في مضمونها ، وفكرقليلا في محتواها ، وتمعن قليلا في فقراتها ، فليس ضروريا ان تقرا دعاء طويلا دفعةواحدة وبسرعة دون تفكر في معانيه . انا وانت ليس لدينا حال سيد الساجدين عليهالسلام كي نقرا تلك الادعية المفصلة بشوق واقبال ، اقرا في الليلة ربع ذلك او ثلثهوفكر في فقراته ، لعلك تصبح صاحب شوق واقبال وتوجه ، وفوق ذلك كله فكر قليلا فيالقرآن ، وانظر اي عذاب وَعَد به بحيث ان اهل جهنم يطلبون من الملك الموكل بجهنم انينتزع منهم ارواحهم ، ولكن هيهات فلا مجال للموت .. انظر الى قوله تعالى«... يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ، وان كنت لمن الساخرين». (1)

فاية حسرة هذه التي يذكرها الله تعالى بتلك العظمة وبهذا التعبير؟ تدبر في هذه الآية القرآنية الشريفة ولا تمر عليها دون تامل . وتدبر ايضا آية يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد». (2)
حقا فكر يا عزيزي ! القرآن ـ استغفر الله ـ ليس بكتاب قصة ، ولا بممازح لاحد ، انظر ما يقول ... ايعذاب هذا الذي يصفه الله تبارك وتعالى وهو العظيم الذي لا حد ولا حصر لعظمته ولاانتهاء لعزته وسلطانه ، يصفه بانه شديد وعظيم ... فماذا وكيف سيكون ؟! الله يعلم ،لان عقلي وعقلك وعقول جميع البشر عاجزة عن تصوره . ولو راجعت اخبار اهل بيت العصمةوالطهارة وآثارهم ، وتاملت فيها ، لفهمت ان قضية عذاب ذلك العالم ، هي غير انواعالعذاب التي فكرت فيها ، وقياس عذاب ذلك العالم بعذاب هذا العالم ، قياس باطل وخاطئ .
وهنا انقل لك حديثا شريفا عن الشيخ الجليل صدوقالطائفة ، لكي تعرف ماهية الامر وعظمة المصيبة مع ان هذا الحديث يتعلق بجهنمالاعمال وهي ابرد من جميع النيران ، وعليك ان تعلم اولا ان الشيخ الصدوق الذي يُنقلعنه الحديث ، هو الشخص الذي يتصاغر امامه جميع العلماء الاعلام ، اذ يعرفونه بجلالةالقدر . وهذا الرجل العظيم هو المولود بدعاء امام العصر عليه السلام ، وهو الذي حظيبالطاف الامام المهدي عليه السلام وعجل الله تعالى فرجه الشريف واني اروي الحديثبطرق متعددة عن كبار علماء الامامية ـ رضوان الله عليهم ـ باسناد متصلة بالشيخالصدوق ، والمشايخ ما بيننا وبين الصدوق (ره) ، جميعهم منكبار الاصحاب وثقاتهم . اذا فعليك الاهتمام بهذا الحديث ان كنت من اهل الايمان .






روي الصدوق ، باسناده عن مولانا الصادق عليه السلام ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم قاعدا اذ اتاه جبرئيل وهو كئيب حزين متغير اللون فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل ما لي اراك كئيبا حزينا ؟ فقال : يا محمد فكيف لا اكون كذلك وانما وُضعت منافيخ جهنم اليوم . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما منافيخ جهنم يا جبرئيل ؟ فقال : ان الله تعالى امر بالنار فاوقد عليها الف عام حتى احمرت ، ثم امر بها فاوقد عليها الف عام حتى ابيضت ثم امر بها فاوقد عليها الف عام حتى اسودت وهي سوداء مظلمة . فلو ان حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعا وُضعت على الدنيا ، لذابت الدنيا من حرها ولو ان قطرة من الزقوم والضريع قطرت في شراب اهل الدنيا لماتوا من نتنها . قال : فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبكى جبرئيل فبعث الله اليهما ملكا ، فقال : ان ربكما يقراكما السلام ويقول : اني امنتكما من ان تذنبا ذنبا اعذبكما عليه (1) . علم اليقين ـ فيض الكاشاني ـ المقصد ـ 4 ـ الباب ـ 15 ـ فصل ـ 6 ـ ص 1032 .


ايها العزيز ... ان امثال هذا الحديث الشريف كثيرة ، ووجود جهنم والعذاب الاليم منضروريات جميع الاديان ومن البراهين الواضحة ، وقد راى نماذج لها في هذا العالماصحاب المكاشفة وارباب القلوب . ففكر وتدبر بدقة في مضمون هذا الحديث القاصم للظهر، فاذا احتملت صحته ، الا ينبغي لك ان تهيم في الصحاري ، كمن اصابه المس ؟! . ماذاحدث لنا لكي نبقى الى هذا الحد في نوم الغفلة والجهالة ؟! أنزلت علينا ـ كرسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم وجبرئيل ـ ملائكة اعطتنا الامان من عذاب الله في حين انرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واولياء الله لم يقر لهم قرار الى آخر اعمارهممن خوف الله ، وما كان لهم نوم ولا طعام ؟ علي بن الحسين وهو امام معصوم ، يقطعالقلوب بنحيبه وتضرعه ومناجاته وعجزه وبكائه ، فماذا دهانا وصرنا لا نستحي ابدا ،فنهتك في محضر الربوبية كل هذه المحرمات والنواميس الالهية ؟ فويل لنا من غفلتنا ،وويل لنا من شدة سكرات الموت ، وويل لحالنا في البرزخ وشدائده ، وفي القيامةوظلماتها ويا ويل لحالنا في جهنم وعذابها وعقابها




فصل





في معالجة المفاسد الاخلاقية







ايها العزيز ؛ انهضمن نومك ، وتنبه من غفلتك ، واشدد حيازيم الهمة ، واغتنم الفرصة ما دام هناك مجال ،وما دام في العمر بقية ، وما دامت قواك تحت تصرفك ، وشبابك موجودا ، ولم تتغلب عليكـ بعد ـ الاخلاق الفاسدة ، ولم تتاصلالعلاج ، واعثر على الدواء لازالة تلك الاخلاق الفاسدة والقبيحة ، وتلمس سبيلالالطفاء نائرة الشهوة والغضب ...


وافضل علاج لدفع هذه المفاسد الاخلاقية ، هو ما ذكره علماء الاخلاق واهل السلوك ،وهو ان تاخذ كل واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك ، وتنهض بعزم علىمخالفة النفس الى امد ، وتعمل عكس ما ترجوه وتتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة .

وعلى اي حال ؛ اطلب التوفيق من الله تعالى لاعانتك فيهذا الجهاد ، ولا شك في ان هذا الخلق القبيح ، سيزول بعد فترة وجيزة ، ويفر الشيطانوجنوده من هذا الخندق ، وتحل محلهم الجنود الرحمانية .

فمثلا من الاخلاق الذميمة التي تسبب هلاك الانسان ، وتوجب ضغطة القبر ، وتعذبالانسان في كلا الدارين ، سوء الخلق مع اهل الدار والجيران او الزملاء في العمل اواهل السوق والمحلة ، وهو وليد الغضب والشهوة . فاذا كان الانسان المجاهد يفكر فيالسمو والترفع ، عليه ـ عندما يعترضه امر غير مرغوب فيه حيث تتوهج فيه نار الغضبلتحرق الباطن ، وتدعوه الى الفحش والسيئ من القول ـ عليه ان يعمل بخلاف النفس ، وانيتذكر سوء عاقبة هذا الخلق ونتيجته القبيحة ، ويبدي بالمقابل مرونة ويلعن الشيطانفي الباطن ويستعيذ بالله منه .






اني اتعهد لك بانك لو قمت بذلك السلوك ، وكررته عدة مرات ، فان الخلق السيئ سيتغيركليا ، وسيحل الخلق الحسن في عالمك الباطن ، ولكنك اذا عملت وفق هوى النفس ، فمنالممكن ان يبيدك في هذا العالم نفسه ، واعوذ بالله تعالى من الغضب الذي يهلكالانسان في آن واحد في كلا الدارين فقد يؤدي ذلك الغضب ـ لا سمح الله ـ الى قتلالنفس . ومن الممكن ان يتجرا الانسان في حالة الغضب على النواميس الالهية ، كماراينا ان بعض الناس قد اصبحوا من جراء الغضب مرتدين . وقد قال الحكماء : «انالسفينة تتعرض لامواج البحر العاتية وهي بدون قبطان ، لهي اقرب الى النجاة منالانسان وهو في حالة الغضب» .


او اذا كنت ـ لا سمح الله ـ من اهل الجدل والمراء في المناقشات العلمية كبعضنا نحنالطلبة ، المبتلين بهذه السريرة القبيحة ، فاعمل فترة بخلاف النفس ، فاذا دخلت فينقاش مع احد الاشخاص في مجلس ما ، ورايت انه يقول الحق فاعترف بخطاك وصدق قولالمقابل ، والمامول ان تزول هذه الرذيلة في زمن قصير .


ولا سمح الله ان ينطبق علينا قول بعض اهل العلم ومدعي المكاشفة ، حيث يقول : «لقدكشف لي خلال احدى المكاشفات انّ تخاصم اهل النار الذي يخبر عنه الله تعالى ، هوالجدلبين اهل العلم والحديث» .


والانسان اذا احتمل صحة هذا الامر فعليه ان يسعى كثيرا من اجل ازالة هذه الخصلة .

روي عن عدة من الاصحاب انهم قالوا : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما ونحن نتمارى في شيء من امر الدين فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله ، ثم قال : انما هلك من كان قبلكم بهذا . ذروا المراء فان المؤمن لا يمارى ، ذروا المراء فان المماري قد تمت خسارته ، ذروا المراء فان المماري لا اشفع له يوم القيامة ، ذروا المراء فاني زعيم بثلاث ابيات في الجنة في رياضها واوسطها واعلاها لمن ترك المراء وهو صادق ، ذروا المراء فان اول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الاوثان المراء (1) . بحار الانوار ـ المجلد الثاني ص 138 ـ 139وعنه ايضا : لا يستكمل عبـد حقيقة الايمان حتى يـدع المراء وان كان محقا (2) . بحار الانوار ـ المجلد الثاني ص 138 ـ 139





والاحاديث في هذا الباب كثيرة . فما اقبح ان يحرم الانسان شفاعة الرسول الاكرم صلىالله عليه وآله وسلم بواسطة مغالبة جزئية ليس فيها اي ثمر ولا اثر ، وما اقبح انتتحول مذاكرة العلم ـ وهي افضل العبادات والطاعات اذا كانت بنيّة صحيحة ـ الى اعظمالمعاصي بفعل المراء وتتلو مرتبة عبادة الاوثان .

وعلىاي حال ينبغي للانسان ان ياخذ بنظر الاعتبار الاخلاق القبيحة الفاسدة باعتبارهاواحدة ، ويخرجها من مملكة روحه بمخالفة النفس . وعندما يخرج الغاصب ، ياتي صاحبالدار نفسه ، فلا يحتاج ـ حينذاك ـ الى مشقة اخرى او الى وعود .

وعندما يكتمل جهاد النفس في هذا المقام ، ويتوفق الانسان الىاخراج جنود ابليس من هذه المملكة ، وتصبح مملكته مسكنا لملائكة الله ومعبدا لعبادهالصالحين ، فحينذاك يصبح السلوك الى الله يسيرا ، ويتضح طريق الانسانية المستقيم ،وتفتح امام الانسان ابواب البركات والجنات ، وتغلق امامه ابواب جهنم والدركات ،وينظر الله تبارك وتعالى اليه بعين اللطف والرحمة ، وينخرط في سلك اهل الايمان ،ويصبح من اهل السعادة واصحاب اليمين ، ويفتح له طريقا الى باب المعارف الالهية ـوهي غاية خلق الجن والانس ـ وياخذ الله تعالى بيده في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر .

وقد كنا نريد ان نشير الى المقام الثالث للنفس وكيفيةالمجاهدة فيه ونذكر ايضا بمكائد الشيطان في هذا المقام ، ولكننا لم نر المقاممناسبا لذلك ، فصرفنا النظر ، واسال الله تعالى التوفيق والتاييد لكتابة رسالة خاصةفي هذا الباب .


مقتبس من كتاب الأربعون حديثا
نسألكم الدعاء عن ظهر قلب






التوقيع

إنّ كلّ موجود على وجه الأرض؛ شأنٌ من شؤون الله -عزّ وجلّ-.. لو قضيتَ حاجة هذا الموجود على أنه شأن من شؤون المولى؛ أجرك على الله -عزّ وجلّ-، لذا فمن كنوز البرّ قضاء حاجة المؤمنين...

=====================


كنا جلوسا مع رسول الله (ص) إذ أقبل إليه رجلٌ فقال : يا رسول الله !.. أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ لإبليس : { أستكبرت أم كنت من العالين } فمن هم يا رسول الله ، الذين هم أعلى من الملائكة ؟!.. فقال رسول الله (ص) : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، كنا في سرادق العرش نسبّح الله ، وتسبّح الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عزّ وجلّ آدم بألفي عام ، فلما خلق الله عزّ وجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يأمرنا بالسجود ، فسجدت الملائكة كلهم إلا إبليس فإنه أبى أن يسجد ، فقال الله تبارك وتعالى : { أستكبرت أم كنت من العالين } ، أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش.... جواهر البحار

=============================

إن إيمان العبد بمثابة الجوهرة القيّمة في يده.. وكلما ازدادت (قيمتها) كلما ازداد حرص الشياطين في (سلب) تلك الجوهرة من يد صاحبها.. ولهذا تزداد وحشة أهل اليقين عند ارتفاعهم في الإيمان درجة، لوقوعهم في معرض هذا الخطر العظيم، من جهة من اعتاد سرقة الجواهر من العباد.. ومن المعلوم أن هذا الشعور بالخوف، لا يترك مجالا لعروض حالات العجب والرياء والتفاخر وغير ذلك، لوجود الصارف الأقوى عن تلك المشاعر الباطلة.

  رد مع اقتباس
قديم 12-09-2009, 03:54 AM   رقم المشاركة : 2
يافاطمة
موالي جديد







يافاطمة غير متواجد حالياً

افتراضي رد: جهاد النفس....

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجّل فرجهم يا كريم..


مشكورة اختنا الكريمة على طرحكم القيم

جزاكِ الله الف خير







  رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن 10:28 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.